في بيتنا طير الحمام

بروج١
كتبت بروج الزعبي

ترعرعت في أرض خضراء، تشتهر بعذوبة مياها ونضارة عشبها وجمال أشجارها المعمرة وشذى طيورها المتنوعة. انها أرض حوران. ترعرت في قرية من قراها و قضيت طفولتي بين زواياها. ولكن بسبب خيبات الزمن اجتمع على سطح بيتنا الهش، الحمام كما الآلام. جفت الاوراق وتحول شذى ريحها إلى صفير مزعج كاد أن يثقب أذناي، وعم البؤس والجوع بين البشر وحتى الطيور في قريتي. حمام أهلكه الاغتراب واصبح بدون صديق بعد غياب أخي (19) سنة، كان قد أنهى مرحلة التعليم الاساسية،  ولضعف تحصيله العملي أراد دخول مدرسة التجارة، بيد أنه  مكث في البيت منتظرا حتى يتحسن وضعنا المالي بسبب غياب فرع التجارة في قريتنا وبعدنا عن المركز المدينة.

 عشق أخي للطيور، دفعه لأن يحقق حلمه في تربية الحمام فاشترى أربع حمامات من سوق البلدة المتواضع لا زلت اذكر أنواعها : (بغدادي، طباشيري، وبالوني ووهزاز) اهتم  أخي بهن، أطعمهن وداعبهن حتى أصبحن جزءا من حياته. ومع مرور الزمن دخلت السعادة إلى قلبه، ولكن سرعان ما تغيرت الاوضاع ودخلنا في متاهة الحرب. في يوم يملؤه الصخب والحرب، خرج أخي لجلب أغراض ضرورية للمنزل، غير أنه لم يعد! فقد كان الضحية الأولى للخطف من قبل جهة مجهولة، اختفى وانقطعت اخباره. إنها حرب ظالمة لا تعرف الرحمة، تزهق أرواح البشر.

 صرخات وأصوات الناس بسبب اهوال الحرب في القرية أجبرتني يوما علي الاختباء في المطبخ، كنت أبكي من شدة الخوف والرعب تارة ولحنيني واشتياقي لاخي الغائب تارة اخرى. بينما كنت ارتعش من الخوف،  ظهرت حمامة في المطبح تلملم فتات الخبز وتقوم بترطيب ريشها من أرضه المطبخ لاطعام وسقي صغارها التي فقست حديثا. حينها تشكل عندي ميل حب الحمام والاعتناء بها.thumb_Darra_1024

 صعقني ذلك المشهد، وتذكرت كيف كان اخي يهتم بالطيور كواجب يستحق المجازفة. وصلني نداء وعتاب الحمامة فنهضت مسرعة ويداي ممتلئتان بفتات الخبز المرطب بالمياه وتناسيت الأنين والأوجاع الناتجه عن الحرب وحصدها الأرواح البريئة. صعدت الدرج حتى وصلت السطح ولم اكترث. على الرغم من جبني وعدم ميولي للطيور في صغري  حيث أنني كنت أظن أنها ستؤذيني بمنقارها غير انني احببتها واصبحت صديقة قريبة لها. فأخدت  تأكل الفتات الخبز التي أضعها لها، خاصة تلك الحمامة التي لطالما كانت تجذبني بكحلها البيضاء المنتشرة حتى مؤخرة عينها. كانت من  النوع (طباشيري ) لقد كانت شقية تحب المغامرة والتضحيه برفاقها، كنت أتعلم منها الجرأة، لدرجة اني تعلقت بهما وغديت أصعد وأهبط الأدراج للاهتمام بها. لاحقا تقلصي اهتمامي بها بسبب الحرب تلك الطاحنة في البلاد وقسوة العادات والتقاليد السارية في القرية التي ترى أنه من غير اللائق قيام الفتيات بصعود الأدراج وقيام بعمل الشبان، وما زاد الطين بلة رضوخ أهلي لتلك العادات، تسبب ذلك الامر بعدم  صعودي إليها لأيام. بينما كنت افكر بالعبارة التي تتكرر معي عند قراءة وكتابة الشعر والخواطر، لتفسر مافي نفسي، من خشية العواقب من الايام القادمة،  فقد الفت فقدان الاشياء التي احبها مثل الحمام، عندما اتت الريح محملة قطعه خشب من الأغراض المهملة المتواجدة على السطح فوقعت على صغير الطباشيري ومات بأرضه فورا. لاحظت الانكسار في عين امه، التي حرمت نفسها الطعام وهي تدفئه عندما كان يمكث في البيض قبل تشييعه. أجل لقد كانت جنازة حقيقية يومها. في ذاك الموقف كنت حاضرة ولكن كما يقال: وقع الفأس بالرأس .

حزنت كثيرا وشعر أهلي بتأنيب الضمير إلى ان اقتنعوا بأن ما اقوم به ليس إلا عملا إنسانيا …. يستحق كسر العادات من أجل إحياء نفس. صراع وأوجاع كانت مختبئة تحت مخدتي، المكان الوحيد الذي تحفظ فيه ذكرياتي. حرب تلو حرب! ليتنا نستطيع نزع حرف الراء ليغدو حبا.

بروج الزعبي : طالبة توجيهي

أضف تعليق